سورة النساء - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً} اختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان أخا أبي جهل لأمه قتل الحارث بن زيد من بني عامر بن لؤي، لأنه كان يعذب عياشاً مع أبي جهل واختلف أين قتله، فقال عكرمة ومجاهد: قتله بالحرّة بعد هجرته إلى المدينة وهو لا يعلم بإسلامه، وقال السدي: قتله يوم الفتح وقد خرج من مكة وهو لا يعلم بإسلامه.
والقول الثاني: أنها نزلت في أبي الدرداء حين قتل رجلاً بالشعب فحمل عليه بالسيف، فقال: لا إله إلا الله، فبدر فضربه ثم وجد في نفسه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أّلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ»
وهذا قول ابن زيد. فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً} يعني وما أّذِنَ الله لمؤمن أن يقتل مؤمناً.
ثم قال: {إلاَّ خَطَأ} يعني أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس مما جعله الله له، وهذا من الاستثناء الذي يسميه أهل العربية: الاستثناء المنقطع، ومنه قول جرير:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ *** على الأرض إلاّ ريْط بُردٍ مرحّلِ
يعني ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد وليس البرد من الأرض.
{وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} وفيها قولان:
أحدهما: أنها لا يجزئ عتقها في الكفارة إلا أن تكون مؤمنة بالغة قد صلت وصامت، وهذا قول ابن عباس، والشعبي، والحسن، وقتادة، وإبراهيم.
والقول الثاني: أن الصغيرة المولودة من أبوين مسلمين تكون مؤمنة تجزئ في الكفارة، وهذا قول عطاء، والشافعي.
{وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} في الدية وجهان:
أحدهما: أنها مجملة أخذ بيانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنها معهودة تقدم العمل بها ثم توجه الخطاب إليها فجعل الله الرقبة تكفيراً للقاتل في ماله والدية بدلاً من نفس المقتول على عاقلته.
{فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} فيه قولان:
أحدهما: أي إن كان قومه كفاراً وهو مؤمن ففي قتله تحرير رقبة مؤمنة وليس فيه ديةُ، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن زيد. قال ابن زيد: لا تؤدى إليهم لأنهم يَتَقوُّونَ بها.
والثاني: معناه فإن كان من قومٍ عدو لكم يعني أهل حرب إذا كان فيهم مؤمن فَقُتِلَ من غير علم بإيمانه ففيه الكفارة دون الدية سواء كان وارثه مسلماً أو كافراً وهذا قول الشافعي، ويكون معنى قوله: {من قوم إلى قوم}، وعلى القول الأول هي مستعملة على حقيقتها.
ثم قال تعالى: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنةٍ} فيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: هم أهل الذمة من أهل الكتاب، وهو قول ابن عباس، يجب في قتلهم الدية والكفارة.
والثاني: هم أهل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب خاصة، وهذا قول الحسن.
والثالث: هم كل من له أمان بذمة أو عهد فيجب في قتله الدية والكفارة، وهو قول الشافعي.
ثم قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الصوم بدل من الرقبة وحدها إذا عدمها دون الدية، وهذا قول الجمهور.
والثاني: أنه بدل من الرقبة والدية جميعاً عند عدمها، وهذا قول مسروقٍ.
قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} قال ابن جريج: نزلت في مقيس بن صبابة، وقد كان رجل من بني فهر قتل أخاه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية وضربها علي بني النجار، فقبلها، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيس بن صبابة ومعه الفهري في حاجة فاحتمل مقيس الفهريَّ وكان أَيِّدا فضرب به الأرض ورضخ رأسه بين حجرين ثم ألقى يغني:
قتلت به فِهراً وحملت عقله *** سراة بني النجار أرباب فارع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَظُنُّهُ أَحْدَثَ حَدَثاً، أَمَا وَاللَّهِ لَئِن كَانَ فَعَلَ لاَ أُؤَمِّنْهُ فِي حِلٍ وَلاَ حَرمٍ فَقُتِلَ عَامَ الفَتْحِ».
وروى سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وَمَن يَقْتُلْ مَؤْمِناً مُّتَعمِدّاً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ }» الآية، فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحاً. قال وأنَّى له التوبة. قال زيد بن ثابت. فنزلت الشديدة بعد الهدنة بستة أشهر، يعني قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} بعد قوله: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهَ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68].


قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُم فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ}.
الآية. قيل إنها نزلت في رجل كانت معه غُنَيْمَاتُ لقيته سريَّة لرسول الله صلى الله عليهم وسلم، فقال لهم: السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فبدر إليه بعضهم فقتله، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «لِمَ قَتَلْتَهُ وَقَدْ أَسْلَمَ» قال إنما قالها تعوذاً، قال: «هَلاَّ شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ» ثم حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله وردّ عليهم غنمه.
واختلف في قاتله على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه أسامة بن زيد، وهو قول السدي.
والثاني: أنه المقداد، وهو قول سعيد ابن جبير.
والثالث: أبو الدرداء، وهو قول ابن زيد.
والرابع: عامر بن الأضبط الأشجعي، وهو قول ابن عمر.
والخامس: هو محلِّم بن جثامة الليثي. ويقال إن القاتل لفظته الأرض ثلاث مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌ مِّنهُ وَلَكنَّ اللَّهَ جَعَلهُ لَكُم عِبْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِأَن تُلْقْى عَلَيهِ الحِجَاَرةُ».
{كَذَلِكَ كنتُم مِّن قَبْلُ} أي كفاراً مثلهم.
{فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ} يعني بالإسلام.


قوله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}.
في المراغم خمسة تأويلات:
أحدها: أنه المتحوَّل من أرض إلى أرض، وهذا قول ابن عباس والضحاك. ومنه قول نابغة بني جعدة:
كطْودٍ يُلاذ بأركانه *** عزيز المراغم والمطلب
والثاني: مطلب المعيشة، وهو قول السدي، ومنه قول الشاعر:
إلى بلدٍ غير داني المحل *** بَعيد المُراغم والمطلب
والثالث: أن المراغم المهاجر، وهو قول ابن زيد:
والرابع: يعني بالمراغم مندوحة عما يكره.
والخامس: أن يجد ما يرغمهم به، لأن كل من شخص عن قومه رغبة عنهم فقد أرغمهم، وهذا قول بعض البصريين.
وأصل ذلك الرغم وهو الذل. والرّغام: التراب لأنه ذليل، والرُّغام بضم الراء ما يسيل من الأنف.
وفي قوله تعالى: {وَسَعَةً} ثلاث تأويلات:
أحدها: سعة في الرزق وهو قول ابن عباس.
والثاني: يعني من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى، وهو قول قتادة.
والثالث: سعة في إظهار الدين.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17